جلسنا ما يقرب الخمس ساعات ننظر و ننتظر أن يتم المناداه على أسمائنا … آسفه أقصد على أرقامنا المسجله على الاساور الملتفة على أيدينا ونحن نرى الناس دفعات تخرج من الباب للباصات ثم يختفون.
ولم أعلم حينها الى اين ذهبوا ؟!!
بعد مرور الوقت حان دورنا تم المناداه علينا وعلى غيرنا إصطففنا متجهين للباب الرئيسي ثم الى الباصات ,ونحن متجهين للباصات كانت هناك مستودعات متحركه على جانبي الباص باللونه الأخضر والأحمر وقد خزن فيها كل الحقائب و كل ما كنا نحمله معنا وضع فيها وعند توجهنا للباص طلبت منهم بعض الاغراض فسمحولي باخذ بعض الملابس والجوالات.
للعلم .. وضع على الشنط نفس الرقم الموجود على الاساور. يعني ان الاسواره هي محور حياتنا طول المشوار او بمعنى أدق هي التعريف الخاص بنا.
11:32 ليلاً
حينها سار الباص بنا متجها لمبنى قريبا من مكاننا السابق , توقف و نزلنا وتوجهنا لمكتب تابع للصليب الأحمر حيث كل الموظفون هناك يضعون شعار الصليب الأحمر وطلبوا منا الجلوس والإنتظار كي ينتهوا من المجموعات التي سبقتنا , ولحظنا السعيد كانت هناك عاىلة من الجنسية الكولومبية أو الأسبانية لاأعلم بالظبط من أين لكن ما لاحظته هو عدم معرفتهم باللغة الإنجليزية حيث جلس الموظف ما يقرب من الربع ساعه يطلب منهم كتابة أسمائهم عند تعبئة الطلب بالأحرف الكبيرة. ومرت الربع ساعة ولم يكتب أحدا منهم حرفا.
هنا بنج الموظف مكانه للحظه .. ثم توجهه نحونا وتركهم إلى حين قدوم من يتحدث لغتهم , لذلك ما أن وصل سألنا أتتحدثون الإنجليزية أجبناه : بنعم. هنا إبتسم إبتسامة رضى وسعادة وطلب كتابة أسمائنا في الطلب بالأحرف الكبيرة كما طلب من سابقتنا. ومن ثم التوجه مع الموظفة إلى الداخل , كانت شقراء بعمر صغير كما علمت حينها أنها متطوعة تقوم بمساعدة اللاجئين على الحدود.
ذهبنا معها ودخلنا إلى غرفة فيها ثلاث أسرة كبيرة وقد سلمونا لوازم جديده بأكياسها ومعها بعض الأغراض التي كنا سنحتاجها فترة مكوثنا في هذ المكان , في هذه الغرفة (غرفة بلا أبواب).
بلا أبواب لأأنني وقفت لوهلة أبحث عنه ولم أرى له وجود وسألتها مافي باب في الغرفة بدنا غرفة بباب؟!!
أجابتني .. جواب نزل كالصاعقة جميع الغرف بلا أبواب.
وقفنا مصدومين … ولا مجال للصدمة فلا عودة ولا تراجع ولا نملك هذا الخيار أصلاً , وشعور أنك لم تعد تستطيع التراجع أو التوقف وأنك لا تملك أي إختيار أخر. فهو خط سير واحد ليس له تفرعات ولا مخارج ولا لف وإرجع… فقط الإستسلام للموقف والقبول به كماهو , كان فعلا موقف صعب كيف لنا أن ننام بلا باب.
من شدة التعب أولادي ناموا حيث أطفئت الأنوار لكي نشعر بشيء من الخصوصية, لم أنم ليلتها ولكن في نفس الوقت لم أعلم كيف إنتهت الليلة ومتى طلع النهار علينا وأعتقد أنني قد غفيت وأنا لم أحس من شدة التعب.
إستيقظنا وتوجهنا لقسم أخر كله طاولات وجلسات بمقاعد كثيرة , وكان هناك كافيتيريا وكان موظفوا المكان يوزعون الطعام مغلف
كإفطار , غداء وعشاء .
إخترت لنا طاولة وجلسنا ننظر من حولنا علنا نقنع ونستسلم للوضع كنا خائفين من غرابة الموقف كيف وصلنا لهنا؟!! ولم نحن هنا؟!!
وكالعادة أسئلة ليس لها أجوبة, كنت حينها متصلة بالأنترنت في جوالي فأنا لم أتخلص من الشريحة القديمة ونفعتني جدا. حيث كنت أراسل زوجي وأهلي منها فلا يوجد في هذا المكان إنترنت. لكن أمي وأبي لم اخبرهم تفصيل الغرفه بلا باب خفت عليهم من الصدمة.
جسر خشبي...
جلسنا باقي اليوم في الكافتيريا يرسموا ويلونوا مع باقي الأطفال المتواجدين في المكان ثم يقوموا بتعليق الصور على جدار غير ذاك الجدار حيث وجدت العديد منه وملأته الرسومات المختلفة , وإنتهى اليوم ونحن نتنقل بين الغرفة والكافتيريا عبر ممر خشبي أشبة بجسر صغير بين الأشجار يملأه أجناس وألوان من كل مكان منهم من يجلس لوحده ومنهم من بنى صداقات ومن جلس يستمع لقصص غيرة كي يهون على نفسه , فكلنا في نفس المكان لنفس الهدف بإختلاف الأسباب والقصص, لكن نحن فوق خوفنا من الوضع كاملا لم نجد من يتحدث لغتنا , فلم نستمع لأحد ولم نتحدث لأحد .
10:20 مساءً
عدنا للغرفة للنوم لكن اليوم كانت الصدمة أخف من قبلها ونمنا ليلتها رغم عدم وجود الباب لكن التأقلم أو الأدق التعود هو أكثر صفة وهبت للأنسان كي يستمر في الحياه بكل ظروفها .. هل لكم أن تتخيلوا غرفة بلا أبواب!!
ولكن لأخبركم سراً .. الآن ومع مرور تلك الأيام نتذكرها ونضحك بقوة .. كيف مرت تلك الأيام وكيف عشناها و...
لحظات غريبة مليئة بتفاصيل جديدة وذكريات سرقناها من أيام مجنونة في ذلك الشلتر كما كان يطلق عليه.
(شلتر) إسم جديد علي ولم أسمع به من قبل وها أنا أعيش فيه لأيام , ما أقصده أنه تحدث أمور لم تكن بالحسبان ولم نكن نتخيل مجرد تخيل أن نخوضها ونتألم فيها ونستجن , نبكي ونضحك لكن وبعد كل هذا تصبح ذكرى نتذكرها ونذكرها.
اليوم الثاني...
يوم جديد في الشلتر .. كان نهار أخف وطأه من سابقه, حيث إستيقظنا وشعور الخوف قد تلاشى أو بدأ يتلاشى.. وتوجهنا إلى المنفس الوحيد وهو الكافتيريا وهنا وجدنا أناس جدد , نسيت أن أخبركم أننا تجرأنا وبدأنا نسأل فالوضع لايحتمل الصمت.
ومافهمته أنه الدفعه السابقة كانت يوم أمس آخر يوم لها فخرجوا وقدمت مجموعة أخرى ولحسن حظنا كانت أغلبها من الجنسيات العربيه, لم ندخل بهم بسرعه , فجلسنا على طاولة مزاوية تناولنا فيها الفطور وأولادي يتقاسمون وكل واحد يبادل الآخر ما يحب أو يريد من وجبت الآخر.
بعد الإنتهاء نجلس ننظر في ملامح كل شخص كان و ربما مع شدة الشوق نرى فيهم شبه كبير لأشخاص نفتقدهم , حيث كان هناك رجل كبير في السن من موظفين الصليب الأحمر أو المتطوعين نناديه بإسم أبي للشبه الكبير بينهم أو أعيننا كان تترى الشبه بحجم الشوق لهم.
وجلس شخص على نفس الطاولة , كنا نتحدث عن مقدار الشبه بينه وبين عم أولادي وكان وينادون عليه بإسم عمهم … إلى أن إكتشفنا أنه عربي مما يعني أنه سمع وفهم وضحك ربما على كل ما كنا نتحدث فيه .
موقف محرج جدا حيث إكتشفنا بعد أن فصلنا الشخص تفصيلا من الطول للعرض للرأس بلا شعر فالعيون و ….
تصدقوا أننا لم نجد شيئا مختلف كان التطابق 95% فعلا
(يخلق من الشبه أربعين) . هل وجدت من يشبهكم من الأربعين؟!
أنا … لأ للأن لم أجد ولا أتمنى أن أجد شبيهي لأن الموقف مخيف أن تجد نفسك في شخص أخر. حيث يمكن لي أن أختار من أريد أن أشبهم لكن أن أجد ملامحي على شخص أخر فلا يمكن تقبل ذلك و التفكير فقط به مخيف.
12:00 ظهراً
بدأت مجموعات جديده تدخل وهنا بدأنا نتعرف على الموجودين والأغلب في هذه المجموعة التي بقينا معاً لآخر الرحلة من فلسطين .فلسطين الشتات جاؤا من دول عربيه مختلفه وحتى من داخل فلسطين 48 قد رحلوا وتركوها وبدأوا بالتحدث وسرد قصصهم , فهذه التدوينة قد تطول ويطول الحديث فيها مما سمعته من قصص وأحداث سأشارككم من أحداثها ما كان محزناً , ممتعنا ومخيفا .
لذلك سأبدأ بقصصهم في تدوينة جديده كي تتسع قصصهم وأوجاعهم , ولوقت التدوين القادمة من له قصة لجوء .. رحيل .. فليشاركنا إياها.
يتبع…
تعليقات
إرسال تعليق